الإنسانية



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الإنسانية

الإنسانية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الإنسانية

الارتقاء الى المستوى الإنساني


    بداية، الملامح الرئيسية للشيطان في الديانة الزرادشتية

    أبو عماد
    أبو عماد
    Admin


    عدد المساهمات : 796
    تاريخ التسجيل : 20/11/2012
    العمر : 69
    الموقع : damas

    بداية، الملامح الرئيسية للشيطان في الديانة الزرادشتية Empty بداية، الملامح الرئيسية للشيطان في الديانة الزرادشتية

    مُساهمة  أبو عماد الأربعاء 11 نوفمبر 2020 - 0:01

    يقول الكاتب فراس السواح في واحدة من مقالاته: « لم تكتمل ملامح الشيطان الكوني في تأريخ الديانات الإنسانية إلا مع الديانة الزرادشتية التي أسسها النبي زرادشت في زمن ٍ غير مؤكد من النصف الأول للألف الأول قبل الميلاد.» وهذا ما يقوله غالبية العلماء والباحثين الذين يعتقدون بأن جذور
    فكرة الشيطان بدأت مع بداية الدين الزرادشتي في إيران«: حيث يعتبر زرادشت واحدا من أهم الشخصيات الدينية التي أثّرت على مجرى الحياة الروحية عبر تأريخ الحضارة، ولا تكمن أهمية هذا
    النبي في مدى الانتشار الجغرافي والزماني للديانة الزرادشتية التي قامت على وحيه وتعاليمه، بقدر ما تكمن في مدى تأثير أفكاره على الديانات العالمية اللاحقة ومنها الديانات التوحيدية.
    ورغم وجود الكائنات الما ورائية الشريرة في جميع المُعتقدات الدينية عبر التأريخ، إلا أن زرادشت كان أول من تصور وجود مبدأ كوني ِ للشر، هو علّة الفساد والنموذج البدئي لكل الشرور المتبدية
    َ في العالم، وج ّسد هذا المبدأ في شخصية ما ورائية هي الشيطان.»
    كِتاب الرحمن والشيطان - فراس السواح.
    وفي مقطعٍ ٍ آخر ِ من نفس الكتاب يقول المؤلف«: إن فكرة الشيطان كمبدأٍ ٍّ شمولي بدأت بشكلها الجنيني في الديانة المصرية القديمة ولكن من دون أن تصل بها إلى غايتها وتضعها في إطار ٍّ آيديولوجي ٍ متسق ومتكامل. لكن الفكرة الكاملة ظهرت فيما بعد في تعاليم زرادشت ودخلت في صميم م ٍ عتقدات أديان ُم ٍ ختلفة يُدين بها اليوم أكثر من نصف سكان العالم. ومن أسباب ظهور فكرة الشيطان كذلك، هو تحول مفهوم الأخلاق من الشأن الدنيوي إلى الشأن الديني.»
    ٍ وحول مفهوم الأخلاق هذا، يقول فراس السواح في مقال آخر له: «الأخلاق الاجتماعية أو السلوك الأخلاقي الفردي في الحضارات القديمة لم يكن شأنًا دينيًا، بل شأنًا اجتماعيًا ناج ًما عن جدلية الحياة الاجتماعية ومتطلبات العيش المُ ً شترك .» كذلك نرى عبر تقادم الزمن أن الديانة الزرادشتية تحولت لتصبح ديانة ً قومية َ لمناطق ّ محد ٍ دة ٍ ومحصورة في جغرافية إيران، بينما انتعشت أديان أخرى كانت قد اقتبست الكثير من الأفكار والدعائم الأساسية لها من الديانة الزرادشتية.. مثل اليهودية والمسيحية والإسلام.
    تقول كتب الزرادشتيين أن الرب الأعلى قال لزرادشت بأن الروح الخ ّيرة هي (أهورامزدا) الإله العاقل، والروح الشريرة هي (أهريمان) الشيطان. وبهذا أصبحت البشرية في صراع ٍ دائم ّ بين الخير والشر، النور والظلمة، وبما أن النور مصدره الشمس، والشمس من نار، لهذا لعبت النار دورا أساسيًا في هذه العقيدة الدينية باعتبارها مصدر الإشراق والنور والضياء والحياة، فقدسوها وعبدوها وصار لهم كِ ُ تاب مقدس يُ ّ سمى “الأفستا،” أي المعرفة. كذلك قالوا بأن الأرض هي ساحة ق ٍ تال ّ بين الخير والشر ٍ وأن كل بشر يجب أن ينحاز لهذه الجهة أو الأخرى، وبعد الموت يذهب البشر الصالحين إلى الجنة والبشر الأشرار إلى الجحيم البارد المُ ٌ ظلم، لأن الزرادشتية تعتقد بأن النار عنصر ٌّ إلهي ُ ومقدس، ولهذا فالجحيم في معتقداتهم بارد ُ وم ٌ ظلم ُ وم ٌ خيف ً وليس حار ُ ا وملتهبً ُ ا ومحرقً ُ ا كما تخيلته ً بقية الأديان وخاصة التوحيدية!
    وهي نفس فكرة السومريين والبابليين عن العالم السفلي أو عالم اللاعودة المظلم البارد والمُخيف. بعد السبي البابلي الثاني ليهود أورشليم بفترة ٍ زمنية ٍ قصيرة انتهت إمبراطورية الكلدان في بابل على يد قورش الأخميني سنة ( 539ق.م،) ومن بابل بالذات أعلن الملك قورش قراره الشهير الذي يتضمن السماح للشعوب المسبية بالعودة إلى أوطانها الأصلية، ولكن.. وحسب رأي وقناعة علماء التأريخ، فإن هذه العودة لم تحدث خلال ليلة وضحاها، بل استغرقت أكثر من ٌ 100سنة، وهذه فترةٌ زمنية ٌ كافية ً جدا لاحتكاك المسبيين اليهود بالفرس والاطلاع الكافي على أفكارهم بصورة ً عامة، وخاصة تلك المتعلقة بالديانة “الزرادشتية،” كما تأثروا
    من قبل بكل أفكار وديانات وآلهة وأساطير سومر وبابل مما دعاهم لاقتباس (لطش) أسفار توراتهم الخمسة الأولى زائدا تلمودهم من عمق حضارة سومر، بابل وآشور.
    ويوم انكسرت الإمبراطورية البابلية أصبح كل الشرق الأوسط ومنه إسرائيل من ضمن حدود الإمبراطورية الأخمينية الكبيرة، وبما أن “حضارة الغالب تُهيمن على حضارة المغلوب” كما يقول ابن خلدون، ِذا التقط واقتبس وتبنى اليهود -ولا نُريد أن نقول سرقوا- الكثير من أفكار الديانة الزرادشتية، ومنها حتما ّ المفهوم الجديد للشر، مجسدا في شخصية (الشيطان،) الذي حشر ً في الديانة اليهودية ومنها انتقل لاحقا إلى المسيحية والإسلام!
    ّ والحقيقة أن الزرادشتية قدمت في حقل الدين الكثير من الأفكار التي كانت جديدةً في هذا الميدان والتي لم تتطرق لها الأديان القديمة سابق ّ ا، رغم أن وجود الكائنات الخرافية الشريرة الغيبية كان حاضرا على الدوام في خارطة فكر بقية الأديان القديمة التي سبقت الزرادشتية، لكن زرادشت أوجد مبدا كونيً ّ ا للشر، وجس ٍ د هذا المبدأ في شخصية ٍ خيالية ٍ غيبية هي (الشيطان،) والتي استوعبها بكل سهولة ٍ كل من اطلع عليها، ولسبب ٍ بسيط ً جد ٍ ا، وهو أن كل نفس ٍ بشرية تتنازعها عوامل الخير والشر الطبيعانية بحيث أصبحت فكرة الشيطان ملائمة ً جدا لسد الفراغات الفكرية التي أحدثها وجود الشر في نفس وعالم الإنسان. وصعود ّ ا في سلم التأريخ نجد أن الإسكندر المقدوني الكبير دمر الإمبراطورية الفارسية، وع ْبره وع ْ َبر جيشه انتقلت الكثير من أفكار الزرادشتية إلى اليونان، فظهر عندهم الإله (هيدي) الذي كان ُيمثّ ّ ل الشر ً والذي أعطوه وجه ًأسود ًتعبيرا عن روح الشر، وقالوا بأنه إله عالم الأموات التحت أرضي، (وهذا اقتباس ٌ أخر لعالم الأموات الرافدي.) وكان (هيدي)
    هو الإله الذي يُقرر مصائر الناس بعد موتهم بحيث يُ ً رسلهم إلى الجنة أو الجحيم، كذلك جعلوا منه إله ِ ا للغنى والفقر والثراء والأموال، لذا عبدوه وتملقوه لأنهم آمنوا بأن هذا الإله الشيطان من الممكن أن يجعلهم أغنياء. وعن طريق اليونان وتوارث فكرها ومعتقداتها وحضارتها وأساطيرها انتقلت فكرة “الشيطان” إلى كل الغرب لاحقا!

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 24 نوفمبر 2024 - 18:26