حقيقة قصة او خرافة اهل الكهف
النيام السبعة في أفسس
النيام السبعة هم سبعة فِتيَة مسيحيّين من أفسس اختبأوا في كهف، في مكان غير بعيد عن المدينة، ليُفلتوا من موجب تقديم الذبائح لآلهة روما ومن تناول لحوم نجسة، كما أمر بذلك الامبراطور ديسيوس (250 – 251). احتُجِزوا أحياء مع كلبهم، وغرقوا في سبات غامض، ليستيقظوا لبضع ساعات في العام 448، خلال حكم الامبراطور تيودوسيوس الثاني على بيزنطة. وإنّ هذه القصّة العجائبيّة التي جعلت من النيام السبعة شهودًا مُسبّقين للقيامة، لكن أيضًا أبطال الاستسلام لله في الوحدة، تنتمي إلى الدين المسيحيّ والدين الإسلاميّ على السواء. وفي الشرق المسيحيّ الذي تتركّز فيه الحياة الروحيّة على الفصح، نقل قصّتهم ثانيةً باللغة السريانيّة الأسقف جاك دو ساروغ Jacques de Saroug(451 – 521). أمّا الكنيسة اليونانيّة، التي عيّنت عيدهم في الثاني والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر وفي الرابع من آب/أغسطس، فأوردت أسماءهم في أوّل موجز لها عن حياة القدّيسين.
وليس من قبيل الصدفة أن يكون الكهف المظلِم الذي يحفظهم واقعًا في أفسس، حيثُ كان الشعب يعبد في الحقبة الوثنيّة ديانا أرتميس Diane-Artémis، إلهة النور الليليّ، ويطالع القدر في النوم والأحلام، وحيثُ لجأت مريم المجدليّة والعذراء ويوحنّا الإنجيليّ بعد الاضطهاد الأوّل في أورشليم. وستكون مدينة أفسس بالنسبة إلى مريم مكان الرقاد العابر. كما دُفِنَت المجدليّة عند مدخل هذا الكهف أيضًا.
ويحتفل الغرب المسيحيّ بعيدهم في 27 تمّوز/يوليو. وقد ترجَمَ غريغوريوس دو تور Grégoire de ToursRhône أو أبحروا نحو انكلترا بحثًا عن القصدير. وأُضيف إلى عقيدتهم التكريم الزراعيّ والنجميّ القديم جدًّا للكواكب السبعة (التالية لأرتميس Artémis)، التي كان نداها يُحيي كلّ عام حصاد شهر تمّوز/يوليو. ووُجِدت عاجلاً في أوروبا كهوف وقبور نُسِبَت إلى النيام السبعة. أوّلاً في روما ومارسيليا (كنيسة القدّيس فيكتور Saint-Victor)، ومن ثمّ في نقاط متنوّعة من الوادي الرينيّ. وفي فرنسا الوسطى والغربيّة، تُكَرَّس لهم كهوف مارموتييه Marmoutier قرب مدينة تور Tour، والمدفن الدلمَن في ستيفيل Stiffel بالقرب من السوق القديمة Vieux-Marché (في كوت دارمور Côtes d’Armor). قصّتهم إلى اللاتينيّة مرّتين، في نهاية القرن السادس. لكن يمكن أن يكون قد تناقلها الحُجّاج العائدون من أفسس، أو الأشعار المُغنّاة التي تروي حياة القدّيسين، أو التجّار اليونانيّون الذين صعدوا وادي الرون
وفي الإسلام، تظهر قصة النيام السبعة في السورة الثامنة عشرة من القرآن الكريم، التي تحمل عنوان "الكهف". وهي تُعتَبَر من السُّوَر الأهمّ وتُتلى آياتها الـ110 مبدئيًّا كلّ يوم جمعة. ويذكّر القرآن الكريم بجهر الفِتيَة السبعة بعقيدتهم الدينيّة إزاء عالم كافر، وبانعزالهم في كهف يُفتَح مدخله عند الظهر، وبهدهدتهم الغامضة في يد الله، وبمناقشة فترة سباتهم، وبطلب أحدهم بعد استيقاظه طعامًا مُباحًا (أزكى طعامًا). وتروي الآيات التالية السير الإلهيّ للأحداث، وبحث النبيّين الخضر والياس عن مصدر الحياة، وجدار جوج الذي يحمي جماعة المؤمنين. وهكذا، غالبًا ما يُشَبَّه فِتيَة أفسس السبعة بالأبدال، الحُماة القدّيسين، ويُطلَق على السورة الثامنة عشرة التي تُجَمِّع هذه المواضيع عبر التاريخ اسم: "سفر رؤيا الإسلام".
وإنّ عبادة النيام السبعة هي العبادة الوحيدة المسموحة في العالم الإسلاميّ. وفي الآيات 18 – 21 يُقال إنّ مسجدًا كُرّس لهم. وكما عند المسيحيّين، تُكَرَّس لهم كهوف تمّ تحويلها إلى مصلّيات. ونجد منها في دمشق، على منحدر جبل القاسيون؛ وفي الأردن، في رقيم؛ وفي القاهرة، في المُقَطَّم في مدفن المغاوري؛ وفي الجزائر، في قيجل قرب ساتيف، لكن أيضًا في نقاوس، ورأس ماتيفو، وفوم الطوب؛ وفي تونس، في بيجا، وتوزور وميداس؛ وفي المغرب، في سيفرو؛ وفي اسبانيا، في لوخا بالقرب من غرناطة وفي غانديا في فالنسيا؛ وفي تركستان الصينيّة، في تيوك.
وغالبًا ما تمّ تمثيلهم في المنمنمات. وإنّ عملاً من تبريز نُفِّذَ في القرن الخامس عشر تبعًا لرسمٍ صينيّ، يظهرهم مُتَجَمِّعين مع كلبهم في ملء دائرة كاملة، على طريقة القدّيسين البوذيّين الثلاثة النائمين مع نمرهم. ويثير الاهتمام بدرجة أكبر تكريس الأسطول العثمانيّ لنيام أفسس السبعة، فإنّ هدهدتهم الفائقة الطبيعة تذكّر بهدهدة الأمواج. وإنّ "سفينة النيام السبعة" تنضمّ بقلم الخطّاطين إلى صورة السفينة، الباخرة أرغو لعلماء الفلك العرب، وهي عبارة عن مجموعة من النجوم التي تقع على بُعد 30 درجة من القطب الجنوبيّ، والتي تجاور سُهيل (النجمة العملاقة كانوب Canope). وكان البحّارة العرب في المحيط الهنديّ يوجّهون دفّة مراكبهم إلى القطب الجنوبيّ، الذي يشير إليه السديم المزدوج من غيوم ماجلاّن، وهو النافذة الوحيدة خارج مجرّتنا.
أيًّا يكن رجع ذلك، فإنّ المسيحيّين والمسلمين اعتبروا النيامَ السبعة بشائرَ حقيقيّة للقيامة والراحة، وشهودًا على عمل الروح في الجسد، وعلى صون الشخص في غلاف الروح[1]. وإنّ هذا المعتقد الذي تتقاسمه الأديان الموحِّدة دعا المستشرق لويس ماسينيون Louis Massignon إلى أن ينشئ في العام 1954 في المدفن-الدلمَن في ستيفل Stiffelحجًّا يجمع ممثّلين عن الديانات الإبراهيميّة الثلاث. وبهذه المناسبة، يُقام قدّاس وتُتلى سورة الكهف باللغة العربيّة.
هامش
1 يُذكر كهف النيام السبعة بسفينة نوح حيث تُحفظ الكائنات من الطوفان. ونعلق على أن كلمة واحدة في العبرية كما في العربية تشير إلى القبر التذكاري والسفينة : تابوت