=========
في هذا الفصل و هو الأخير ، يلخص المؤلف كل ماقام بشرحه بالتفصيل في الفصول الماضيه و يستعرض الخلاصة و الهدف في نشر الكتاب فيقول :
“ في هذا الكتاب قمنا بعرض كيف يمكن للحركة الإعتيادية للأجسام الهائلة، كالشمس و القمر و الكواكب أن تكون محكومة بقوانين ثابتة بدلا من كونها خاضعة للأهواء و النزوات الإعتباطية للآلهة و الشياطين . ففي البداية ظهرت هذه القوانين {أو الفكرة بتنظيم معين للنجوم } في علم الفلك ( أو التنجيم {معرفة الطالع من النجوم}، و الذي كان يعتبر وقتها نفس الشيء تقريبا *. فتصرف الطبيعة {بالنظر إليها من على سطح الأرض معقد للغاية وخاضع لعدة مؤثرات {متداخلة} لدرجة أنها { أذهلت الإنسان في } الحضارات القديمة فلم يستطع أن يصيغ لها أية قوالب فكرية واضحة أو قوانين {تنظيمية } ممكن أن تخضع لها هذه الظواهر التي يشهدها.
ولكن وبالتدريج { و خصوصا بعد تكرار حدوث الظواهر تحت ظروف نمطية } تم إكتشاف قوانين جديدة في نواحي {أخرى من الحياة } مختلفة عن علم الفلك،
وهذا ما قاد إلى { بروز } فكرة الحتمية العلمية والتي تقول :
أنه لابد من وجود مجموعة متكاملة من القوانين {الإبتدائية } التي حددت كيف ممكن أن يتطور { أو يرتقي } الكون {على المدى البعيد } . و إمكانية معرفة هذه الصورة ، أو هذا التطور، من زمن يتم تحديد وضعه الأساسي فيه.
ولكن يشترط على هذه القوانين أن تكون { صارمة في طبيعتها، أي } قابلة للتطبيق في أي مكان و أي زمان {دون إستثناء} ؛
{فمنطقيا } إذا لم تكن صارمة فهي ليست قوانين .
فلا يجوز أن يكون هنالك إستثناءات لهذه القوانين و لا معجزات.
{أي أن الحتمية العلمية تفرض علينا شرط بأن } الآلهة و الشياطين لا يجب أن تتدخل في إدارة الكون {أي بمعني آخر لا يجوز خلط العلوم الفيزيائية بالغيبيات}٠
ففي الوقت الذي ظهرت فيه فكرة الحتمية العلمية لأول مرة في التاريخ، كانت قوانين نيوتن للحركة و الجاذبية هي القوانين الوحيدة المعروفة. و لقد شرحنا كيف قام آينشتاين بتمديد و تطوير هذه القوانين بقوانين قدمها في نظريته النسبية العامة، و كيف تم إكتشاف قوانين أخرى و التي تتحكم في شؤون أخرى في الكون٠
فقوانين الطبيعة يجب أن {تقول لنا} كيف تتصرف الطبيعة و لماذا.
وهي أسئلة مشروعه و ملحة ، كما قمنا بطرحها في بداية هذا الكتاب حيث تتلخص في :
لماذا يوجد شيء بدلا من لاشيء؟
لماذا نحن بالأساس موجودون؟
لماذا هذه المجموعة بالذات من القوانين في عالمنا و ليس غيرها؟
و من المنطقي { أيضا } أن نسأل من خلق الكون ، أو ما هو الشيء الذي خلق الكون ؟؟
ولكن إذا كانت الإجابة بأن ‘ الله ‘ هو من خلق الكون ، فهذا { لن يجيب على سؤالنا بصورة شافية لأنه } سيحرض على سؤال آخر { أعقد } هو : من خلق الله ؟؟
و من هذا المنظور { و الذي يفرض الإستسلام } يصبح مقبولا لدينا أن نفترض أن هنالك كائن ما ، موجود بدون خلق، وأن هذا الكائن إسمه الله . ” و هكذا ندخل في نقاش عقيم ، فهذا النقاش أزلي و له إصطلاح في علم الفلسفة بإسم ” السببية الأولية لوجود الله ” .. أي أنه سيضيع الموضوع و نبتعد عن الحتمية العلمية التي ننشدها.
ولكن المؤلف يدعي، حسب ما جاء على لسانه ” بأنه من الممكن الإجابة على هذه الأسئلة ضمن النطاق العلمي فقط ودون الحاجة إلى تدخل الكائن القدسي “٠
فحسب فكرة الحتمية المعتمدة على النموذج والذي ذكرت شرحه في الفصول الماضية من هذا التلخيص، و عرفه المؤلف بأن :
” أدمغتنا تفسر المدخلات الملتقطة من أجهزتنا الحسية بعمل شكل أو نموذج للعالم الخارجي.” .. وعليه ، فقوانيننا هي خاصة بنا و بعالمنا ، أو كما جاء على لسان المؤلف : " أن النموذج الجيد البناء يخلق واقع خاص به هو فقط ” .. فإن كانت هنالك قوانين خارج نطاق إستيعابنا فهي غير مهمة لأنها بالنسبة لنا على الآقل غير موجوده حسب رأيي.. أما خلق الكون ، فيقول المؤلف بما معناه أنه قد يكون فيزيائيا بدأ من قوانين بسيطة جدا ولكنها مع الوقت تطورت وتداخلت مع القوانين الكيميائية الآخرى لتجعلها أكثر تعقيدا لدرجة ذكية .. وليشرح ما يقصد في الفقرة الماضية ، يضرب المؤلف لنا مثال في لعبة الحياة ، ليساعدنا أو ليحرض عقولنا على “ التفكير بواقعنا المعاش و { بمبدأ } الخلق ”، فهذه اللعبة ” تم إختراعها كما يقول المؤلف في سنة ١٩٧٠ من قبل عالم في الرياضيات ، إسمه جون كونواي” لهدف عمل إختبار لعالمنا الفيزيائي . حيث ممكن من خلاله دراسة موضوع ، بالغ في أهميته الإنسان ، وهو الإجابة على السؤال : هل الإنسان مسير أم مخير؟
أو هل من الممكن أن تتطور القوانين و تتعقد مع تغير الظروف؟
انظر الى الصورة المتحركة المرفقة..
هذه اللعبة الكمبيوترية هي عبارة عن عده مربعات صغيرة متجاورة في البعد الثنائي - طول و عرض – تشبه إلى حد ما طاولة الشطرنج ولكن لا يوجد لها حدود معينة.. تبدأ بوضع معين في زمن معين بشروط و قوانين محددة - إبتدائية بسيطة – لتتطور إلى قوانين أعقد وتمثل البرنامج المراد التوصل من خلاله إلى نموذج معين يتكرر حدوثه ليس على مستوى المربعات الصغيرة بالتحديد و لكن على مستوي عام وبصورة أكثر شمولية تشبه كثيرا قوانين عالمنا الفيزيائي كقوانين الدحرجة مثلا و قوانين أخرى بنينا عليها الأساسيات التطبيقية في حياتنا كأجهزة الكمبيوتر الذكية .. ليس هذا وحسب بل تم إختبار هذه اللعبة من قبل كونواي وطلبته بإضافات يتدخل فيها عامل خارجي على النموذج الأصلي ليتم مشاهدة كيفية تطوره وتحريضه لتكوين خلق ذكي نسبيا وذلك بإحتفاظ المربع {الخلية الواحدة} بتاريخ لكل البرمجة السابقة..
و بينت المحاولات بأنه حتى المجموعة البسيطة من القوانين {في بداية اللعبة} يمكن أن تنتج صفات معقدة تشبه {خلق} الحياة الذكية في الكون الفيزيائي ” .. فأهم شيء في هذا الكون هو هذه القوانين الإبتدائية و الأخرى التي تطورت عنها .. لأنه لابد من “ أن مجاميع كبيرة من القوانين في الكون تتصف بهذه الميزة ” حسب ما جاء على لسان المؤلف..
ولكن “ ما هو {الأساس} الذي يتم عليه إختيار القوانين الأساسية {البسيطة} ( بدلا من القوانين الظاهرة {و الأكثر تعقيدا من التي تطورت عنها }) و التي تتحكم في كوننا؟؟ فكما هو الحال في كون كونواي { حيث قمنا نحن بوضع هذه القوانين في صيغة برنامج } ، فالقوانين في عالمنا ممكن أن تحدد إتجاه تطور النظام الكوني المستقبلي إذا عرفنا حالة هذا النظام بأي وقت معين {أي بوجود برنامج} ..
ولكن في عالم كونواي نحن من يخلق القوانين – أي نحن نختار الوضع الأولي للكون و ذلك بتحديد المواد و أماكنها في بداية اللعبة”.. من إذن يضع القوانين الإبتدائية للكون الفيزيائي ليتطور كما هو الآن و ليخلق الذكاء الطبيعي المعقد؟؟
ارجو ان تشاهد هذا الفيديو :
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
يستطرد المؤلف ، قائلا :
“ نحن نعلم أن أي مجموعة من القوانين والتي تفسر عالم مستقر {يسمح بالتطور لقوانينه} كما هو عالمنا {الكون بالنسبة لنا في الأرض} ستدخل حتما فيه فكرة الطاقة {كبدايات}، والتي هي كمية { في نوعها } و محافظة {على نفسها}، وهذا يعني أنها لا تتغير مع الزمن.. فالطاقة في الفضاء الخالي {الفراغ} ستكون ثابتة، ولا تعتمد لا على الزمان ولا على المكان { ولا تساوي صفرا ، بل هي بالتقريب صفر} ، و أن هنالك شرط واحد فقط يجب أن يلتزم به أي قانون فيزيائي { ليتم شرط الإستقرار } و هو أن الطاقة للأجسام المعزولة و المحاطة بالفضاء الفارغ {كالأرض مثلا } يجب أن تكون موجبة لتتجاذب مع نفسها،
وهذا يعني أنه لابد من بذل شغل لكي يتم بناء هذا الجسم المعزول ” و ليبقي تقريبا في حالة إستقرار علي هيئته.. أي يحتاج إلى طاقة موجبة وليست سالبة ؛ لأنه “ لو كانت طاقة الجسم المعزول سالبة، فهذا قد يعمل على تحريك جزيئاته { بعيدا عن بعضها حيث التنافر } لكي يعادل طاقته السالبة بطاقه موجب {مساوية لها } تحدثها حركته {الحركة هي الشغل و الشغل موجب}..
و إذا حصل ذلك { أي وجد الجسم المعزول بطاقة سالبة } ، إذن فلا يوجد سبب يمنع الأجسام من الظهور في أي مكان.. وعليه فسيكون الفضاء الفارغ غير مستقر.. وإن كان خلق الأجسام المستقرة يكلف طاقه ، فعدم الإستقرار يجب أن لا يحدث لأنه و كما ذكرنا، طاقة الفضاء الفارغ يجب أن يظل ثابت.. و هذا ما يتطلبه لجعل الكون مستقر محليا – و ذلك حتى لا تظهر الأشياء في كل مكان من لاشيء .. { و هذا أحد أهم قوانين كوننا }.. فإذا كان المجموع الكلي {الجبري} للطاقة الكونية مقيد بالثبوت على الصفر في الفضاء {من أجل الإستقرار}، وإذا كان خلق الأجسام يكلف بذل شغل أو طاقة، فكيف كان للكون بإكمله أن يخلق من لاشيء؟؟
هذا هو السبب في أنه لابد أن يكون هنالك قانون مثل قانون الجاذبية.. لأن الجاذبية تعني الجذب و الشد { لعمل التعادل }، و طاقة الجاذبية طاقة سالبة.. ذلك يعني أن علينا أن نبذل شغلا لفصل الأجسام عن بعضها البعض { الإحتفاظ بمسافات بينها } ، مثل فصل القمر عن الدوران حول الأرض .. و هذه الطاقة السالبة بإستطاعتها أن تعادل الطاقة الموجبة التي يتطلبها خلق المواد.. فالجاذبية هي التي تشكل المكان و الزمان ، وهي التي تسمح للزمكان أن يكون محليا مستقر و لكن كونيا غير مستقر..
ففي المقاييس الكونية ، الطاقة الموجبة المصاحبة للمواد ممكن أن تتعادل مع الطاقة السالبة للجاذبية ، { فتموت نجوم و تحيا أخرى }،
و لذا ، فلا يوجد مانع من خلق الكون بأكمله.. و لأنه يوجد قانون للجاذبية ، فالكون يستطيع ، بل ويقوم بخلق نفسه من لاشيء بالصورة { الكوانتامية الذرية } ” التي تم شرحها في الفصل السادس..
الخلاصة :
أن ” الخلق العشوائي هو السبب في أن هنالك شيء من لاشيء ،
و {هو الجواب للسؤال الذي يقول } لماذا يوجد كون ؟؟ و { الجواب للسؤال عن } سبب وجودنا ..
فلا يوجد هنالك حاجة لإلاه كي يشغل { المفتاح الرئيسي } ليبدأ عمل الكون و يتركه ليستكمل طريقه ؛ ” بل هذا من طبيعة الكون الفيزيائي حسب الحتمية العلمية ، و عليه ؛ فأهمية إيجاد النظرية الكلية هي بمثابة معرفة القوانين الإبتدائية في لعبة الحياة ،
و ” النظرية الكلية { التي ننشدها } يجب أن تكون متكاملة و شاملة وقادرة على أن تتنبأ بنتائج نهائية لقيم يمكننا قياسها { للتأكد منها } .. فلقد رأينا أنه يجب أن يكون هنالك قانون كالجاذبية { مد وجذب ،
ورأينا في الفصل الخامس بأنه حتى تكون نظرية الجاذبية قادرة على عمل تنبؤات لقيم نهائية ، فهي وجب عليها أن تمثل بصورة ما سميناه بالسوبرسيمتري أو التناظر الخارق لنظرية الجاذبية..
ولهذه الأسباب ؛ فإن نظرية ( م ) والتي تشملها ؛ هي النظرية الوحيدة المرشحة لإعطاء { الصورة الصحيحة } للنظرية الكلية للكون..
فإن كانت {نظرية م } نهائية - و هذا ما يجب على العلماء إثباته – فستكون هي النموذج {المثالي} للكون الذي يخلق نفسه بنفسه.
و{نُخلق نحن} كجزء منه لأنه { و حتى هذه اللحظة} لا توجد نظرية متكاملة مثل هذا النموذج ” أو بالأحرى لا يوجد لها منافس بالقوة .. نظرية ‘ م ‘ هي “ النظرية الموحدة التي كان آينشتاين يتمنى أن يجدها {حاول حتى الساعات الآخيرة من حياته على فراش الموت }..
وحقيقة كوننا كبشر - و الذي نعتبر مجرد مجموعة من المواد الأساسية في الطبيعة - قد أتينا إلى هذا القرب من فهم القوانين التي تتحكم فينا وفي كوننا ليس فقط هو النصر العظيم للبشرية ؛ ولكنه أيضا هو المعجزة الحقيقية في كون الفرضيات التجريدة للمنطق قادتنا إلى نظرية فريدة من نوعها تقوم بالتنبؤ وتفسر الكون الكبير الملييء بالأشياء المدهشة العديدة التي نراها.. فإذا تم التأكيد على هذه النظرية بالمشاهدة المستقبلية ، فإن هذا سيكون هو بمثابة النتيجة الناجحة لبحث بشري بدأ منذ أكثر من ٣٠٠٠ سنة ، نكون {بالفعل} وجدنا ذلك التصميم العظيم..
الى هنا نأتي الى نهاية الكتاب العظيم التصميم العظيم للرائع ستيفن هوكينغ..
تحياتي
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]