الإنسانية



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الإنسانية

الإنسانية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الإنسانية

الارتقاء الى المستوى الإنساني


  • إرسال موضوع جديد
  • إرسال مساهمة في موضوع

الإنسان العربي".. كائن غارق في الطقوسية

أبو عماد
أبو عماد
Admin


عدد المساهمات : 795
تاريخ التسجيل : 20/11/2012
العمر : 68
الموقع : damas

الإنسان العربي".. كائن غارق في الطقوسية Empty الإنسان العربي".. كائن غارق في الطقوسية

مُساهمة  أبو عماد السبت 1 أكتوبر 2016 - 10:30


"
نوافق الأنثروبولوجية والعالمة الباليونتولوجية الإنجليزية الشهيرة "ماري دو غلاس" Mary Douglas (1913- 1993)؛ التي تؤكد أنّ الإنسان "كائن طقوسي".. ونزايد عليها (ولتسامحنا روحها)؛ بالقول إنّ الإنسان "العربي" كائن غارق في الطقوسية، ينتج من اللامعنى آلاف المعاني، كائن يجذبه الحنين اللامتناهي إلى نقطة الصفر.. إنّه الحنين بــ"العودة الأبدية إلى زمن البدايات" حسب "ميرسيا إلياد" Mircea Eliade (1907-1986)... إنّه الحنين لزمن "النبوة" كلحظة انعتاق، تاريخي ومفصلي، من الحالة "السحرية الأولى" (الجاهلية) التي كانت تهيمن وتحتكر الفضاء العام بمفهومه الهابرماسي (يورغن هابرماس Jürgen Habermas 1929-..).. إلى الحالة الدينية الثائرة والمتمردة على السائد السياسي والاقتصادي والاجتماعي..
إنّ ذلك الكائن الطقساني يحتفي إلى اليوم بطقوس العبور LES RITES DE PASSAGE بمخيال اجتماعي يُسجّل انبهارا بتلك المرحلة المفصلية في تاريخانية وجوده، إنّه يعتقد أنّ مروره من المرحلة "السحرية" إلى المرحلة "الدينية" بمثابة الخلاص.. إنّها بحر الحرية المشع باللآلئ الوحيانية، إنّها أوكسجين الحياة المشبّع بنسائم السماء، الممتزج عبيره بأزهار الجنان الإلهية..
إنّ ذلك الكائن الطقساني الذي يعيش بيننا، لا يجد كينونته ولن يحقق ذاته ولن يشبع لذّاته، إلاّ باستحضار "توربيني" لتلك اللحظة التاريخية.. لقد أوهمه الكهنوت الديني الذي انتزع عصا الهيمنة من الساحر والعرّاف، بأنّ ذاته اكتملت وإنسانيته تمّت باكتمال النبوة..
إنّ هؤلاء الكهنة المتحالفين مع المؤسسة السياسية لاعتبارات مختلفة (سنخصص لها مقالا آخر)، يقومون بتجييش عواطف ذلك الكائن وشحنه رمزيا، والنقش في ذاته المخيالية، وطمأنته بأنّ "النقطة صفر" هي بداية كل البدايات ونهاية كل النهايات..إنّها الزمن الاجتماعي المقدّس..الذي ليس قبله غير الجاهلية وليس بعده غير الخراب..
في هذا السياق، بشّر الأنثربولوجي الاسكتلندي الكبير جيمس فريزر James Frazer (1854-1941) المهتمين بالدراسات الأنثربوتاريخية بمرحلة ثالثة تأتي بعد المرحلة السحرية والدينية سمّاها المرحلة العلمية (وهذا ما تحقق في الغرب)، تكون بمثابة الخلاص من المرحلة الدينية.. إنها "نقطة الصفر" لعبور حتمي آخر نحو تحقيب آخر.. إنها اللحظة "البيكونية" (فرانسيس بيكون Francis Bacon 1561-1626) التي تُعطي مفاتيح الهيمنة للعلم.. للتجربة..لإخضاع كل المسلّمات الكبرى لمباضع التشريح..إنها وعي الفرد بذاته بعيدا عن كل وصايا السحر والدين..
نقول هذا الكلام؛ قياسا على مقاربة فريزر وحتى على مقاربة أوغيست كونت Auguste Comte (1798-1857) التي بشّرت كذلك بعصر يقوده العلم (وهذا ما تحقق في الغرب)، ونحن على يقين تام، بأن الكائن الطقساني العربي، قليله أو كثيره، يرفض الخوض في هكذا نقاش، ويرفض التفكير في تحقيب آخر، وقد يترجم ذلك في أعمال عنف مقدّس متتالية، أو قد يدس رأسه في التراب ليبحث عن حلول "نصية" لمشاكل ومستجدات عصرية.. وإذ هو يفعل ذلك يواجه سيلا من الأسئلة الأنطولوجية، ويكتشف جبالا من الألغاز التراثية، فتتعثر قدماه.. ليغرق في وحل التاريخ..
سنحاول أن نجازف هنا لنقدّم تنبؤا علميا لنقول، إنّ جدلية التاريخ تنطبق على كل البشر لا على بعض البشر، وما بقاء ذلك الكائن الطقساني، فرحا مرحا.. محتارا مترددا.. في تلك المرحلة الوسيطة بين السحر والعلم، إلا نتاج لعوامل سوسيوتاريخية وسياسية متعددة ومتشابكة، ساهمت في تكبيله، إلى حين.. نعم نقول إلى حين، لأنّنا نتوقع أن ينتهي هذا المخاض العسير.. إرهاب، إلحاد، تشكيك، مراجعات فكرية، نقدية، تفكك في البنى الاجتماعية، في الفصائل السياسية، في الأوطان، في مسائل الهوية، في المدارس الفقهية... إلى ولادة مرحلة علمية تكون بمثابة الخلاص.. بمثابة النقطة الصفر لتحقيب جديد.. لكائن طقوسي آخر، يقدّم القرابين لمعابد العلم.. سيتحقق ذلك نعم.. ولو بعد حين.
سعيد خياري
  • إرسال موضوع جديد
  • إرسال مساهمة في موضوع

الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 19 أبريل 2024 - 7:29