رشيد شقير
تاريخ المقال : 2014-08-20
بعد إجهاض البعد الديمقراطي لإنطلاقة الثورات العربية، والقوى الشبابية التي قادتها بعفوية باتت الخيارات محدودة أمام شعوبنا. فالمعروض قسراً في الحقل السياسي يتراوح بين احتمالين:
إما حكم المؤسسة العسكرية المصرية التي لم تحُل دون الاستبداد عبر تجربتها السابقة، أو حكم "الأخوان" الذين لم يستطع نظام الاستبداد محوهم من الحقل السياسي، فيما سياساته "الدينية" والتربوية عززت نفوذ القوى الاسلاموية في المجتمع. وكذا في العراق حيث فُرِضت صيغة ائتلافية طائفية (سنية- شيعية) وعربية- كردية، أو "توافقية" على الطريقة اللبنانية، فيما التوتر الطائفي يشكل مناخاً مناسباً لنمو القوى الاسلاموية بصيغتها الداعشية، والتي هي نفسها تمددت إلى سورية (ولبنان)، حيث بات السوريون بين سندان نظام الاستبداد الطائفي ومطرقة الداعشية (وأخواتها) التي ما برحت تقصم الظهر "الثوري" تحت أنظار "المجتمع الدولي" الذي استراح بدوره من همّ القوى الاسلاموية وعنفها في بلاد أوروبا وأميركا. وليست ليبيا بمنأى عن هذا الزحف الاسلاموي الممتزج بالبنية المناطقية والعشائرية، وكذا جارته التونسية التي يبدو كأن القوى الديمقراطية تنتزع مطالب على حساب ذلك الزحف نفسه، مع أنها تتلقى ضربات موجعة (كالإغتيالات). وفي اليمن يحتل الصدارة الصراع المفتوح بين الحوثيين والأخوان المسلمين..
وسط هذه الخيارات يقف العدوان الإسرائيلي وقحاً، ومتباهياً باستبعاد الخطر العربي، فيستهدف المقاومة الفلسطينية العنيدة والثابتة، وخصوصاً بيئتها "الحاضنة": بعد عمليات رفع الأنقاض بلغ عدد شهداء العدوان الأخير 2016، بينهم 541 طفلاً و250 إمرأة، وعدد الجرحى 10193، علماً أن حملة إعتقالات واسعة تشهدها الضفة الغربية وغيرها. ولا تقع الإدانة هنا على المجتمع الدولي المتآمر كالعادة لصالح إسرائيل "الضحية" وحسب، وإنما على الصمت العربي الرسمي الذي ينشط أربابه في قمع الاحتمالات الديمقراطية من ناحية، ومن ناحية أخرى يتمسكون بالحل "السلمي" الذي ما برحت إسرائيل تستبعده وتناور على الحقوق العربية وصولاً إلى حالة إعياء كامل تفرض الإعتراف الموثّق بكيانها الغاصب.
ولعل الأكثر إيلاماً ذلك العنف الاسلاموي الوحشي الذي يصيب "الأخوّة" "المواطنية" في الدولة "الوطنية"، وقت يتجاهل العداوة الصهيونية. وهذا ما يكمّل سيرورة الإنحطاط العربي والمسلم في عصر المعلوماتية و"القرية العالمية".